الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

ما بين الظاهر والخفي: رحلة إلى أعماق الذات

بقلم- حلا الخالدي / الدمام

في عصر تتسارع فيه الصورة وتعلو فيه الأصوات، بات الإنسان يُعرّف من خلال ما يُبث ويُشاهد، وكأن وجوده الحقيقي لا يُكتمل إلا على مسرح الحياة اليومية، حيث العرض لا يتوقف. نرتدي الأقنعة بعناية، نختار زوايا الضوء بعناية أكبر، ونصيغ كلماتنا كما لو كنا نكتب سيناريو نُريد أن يُعجب الجمهور. هذه هي “الحياة الأولى” — الواجهة التي نقدمها للعالم، وتُبنى على أساسها الأحكام والانطباعات.

لكن خلف هذا الستار، تنبض حياة أخرى… أكثر هدوءاً، وأكثر صدقاً. إنها “الحياة الثانية” — تلك التي لا تُرى ولا تُبث، بل تعيش في عمق الروح وسكون اللحظات. هناك تتراكم مشاعر لا تُقال، وتستقر ذكريات لا تُروى، وتتشكل أفكار لم تخرج إلى الضوء. إنها الحياة التي لا تحتاج إلى تصفيق، ولا تعرف الزيف أو التجميل، حياة داخلية تنبض بالحقيقة المجردة.

كل إنسان يحمل بداخله هذا العالم الصامت، المتفرد، الغني بتعقيداته. قد يبدو المرء متماسكاً أو ناجحاً في عيون الناس، بينما في داخله صراع لا يُرى. وقد تقابل شخصاً عادياً في مظهره، لكنه في داخله يبحر في تأملات عميقة، ويعيش حالة من السلام أو القلق أو الرجاء لا يعلمها أحد.

الحياة الثانية هي التي تُنضج القيم، وتُنير البصيرة، وتُشكل الخيارات المصيرية. هناك، لا وجود لعدسات، ولا مجاملات، بل مواجهة صافية مع النفس، وتأمل خالص في محراب الذات.

تحقيق التوازن بين هاتين الحياتين ليس أمراً سهلاً. هو فنّ لا يتقنه إلا من امتلك شجاعة الوعي. ليس عيباً أن يكون لنا حضور اجتماعي، أو صورة نمثل بها أنفسنا في العلن، لكن الخطورة تكمن في أن ننسى تلك الحياة الأخرى — أن نهملها، أو نخنق صوتها تحت ضجيج الواجهة، حتى نصبح نسخة مشذبة لا تشبهنا.

ربما حان الوقت لنسأل أنفسنا بصدق:
هل نُعطي لحياتنا الداخلية ما تستحق؟
هل نُصغي جيداً لصوت أعماقنا؟
أم أننا نعيش حياة معدّلة للمشاهدة فقط، بينما الحقيقة تذبل بصمت

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى